فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الوقوف:

{والفجر} o لا {عشر} o ك {والوتر} o ك {يسر} o ك لجواز أن يكون جواب القسم المحذوف وهو ليبعثن أوليعذبن مقدراً قبل {هل} أو بعده {حجر} o ط ثم الوقف المطلق على {لبالمرصاد} وما قبله وقف ضرورة {بعاد} o لا {العماد} o لا {البلاد} o ص {بالواد} ك {الأوتاد} o ك {البلاد} o ك {الفساد} o ك {عذاب} o ج لاحتمال التعليل ولما قيل: إن جواب القسم قوله: {إن ربك لبالمرصاد} وما بينهما اعتراض.
{لبالمرصاد} o ج {أكرمن} o ج لابتداء شرط {أهانن} o ج لأن {كلا} ق يحتمل معنى (إلا) وحقًّا ومعنى الردع.
{اليتيم} o لا {المسكين} o ط {لما} o ط {جماً} o ك {دكاً} o لا {دكاً} o ك {صفاً} o لا {صفاً} o ك {بجهنم} o {الذكرى} o ج لأن ما بعده مستأنف كأنه قيل: كيف يتذكر {لحياتي} o ج {أحد} o لا {أحد} o ط {المطمئنة} o ط {مرضية} o {عبادي} o {جنتي} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{والفجر (1)}
اعلم أن هذه الأشياء التي أقسم الله تعالى بها لابد وأن يكون فيها إما فائدة دينية مثل كونها دلائل باهرة على التوحيد، أو فائدة دنيوية توجب بعثاً على الشكر، أو مجموعهما، ولأجل ما ذكرناه اختلفوا في تفسير هذه الأشياء اختلافاً شديداً، فكل أحد فسره بما رآه أعظم درجة في الدين، وأكثر منفعة في الدنيا.
أما قوله: {والفجر} فذكروا فيه وجوهاً أحدها: ما روي عن ابن عباس أن الفجر هو الصبح المعروف، فهو انفجار الصبح الصادق والكاذب، أقسم الله تعالى به لما يحصل به من انقضاء الليل وظهور الضوء، وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطير والوحوش في طلب الأرزاق، وذلك مشاكل لنشور الموتى من قبورهم، وفيه عبرة لمن تأمل، وهذا كقوله: {والصبح إِذَا أَسْفَرَ} [المدثر: 34] وقال في موضع آخر، {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: 18] وتمدح في آية أخرى بكونه خالقاً له، فقال: {فَالِقُ الإصباح} [الإنعام: 96] ومنهم من قال المراد به جميع النهار إلا أنه دل بالابتداء على الجميع، نظيره: {والضحى} [الضحى: 1] وقوله: {والنهار إِذَا تجلى} [الليل: 2] وثانيها: أن المراد نفسه صلاة الفجر وإنما أقسم بصلاة الفجر لأنها صلاة في مفتتح النهار وتجتمع لها ملائكة النهار وملائكة الليل كما قال تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهوداً} [الإسراء: 78] أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار القراءة في صلاة الصبح.
وثالثها: أنه فجر يوم معين، وعلى هذا القول ذكروا وجوهاً الأول: أنه فجر يوم النحر، وذلك لأن أمر المناسك من خصائص ملة إبراهيم، وكانت العرب لا تدع الحج وهو يوم عظيم يأتي الإنسان فيه بالقربان كأن الحاج يريد أن يتقرب بذبح نفسه، فلما عجز عن ذلك فدى نفسه بذلك القربان، كما قال تعالى: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107].
الثاني: أراد فجر ذي الحجة لأنه قرن به قوله: {وَلَيالٍ عشر} ولأنه أول شهر هذه العبادة المعظمة.
الثالث: المراد فجر المحرم، أقسم به لأنه أول يوم من كل سنة وعند ذلك يحدث أموراً كثيرة مما يتكرر بالسنين كالحج والصوم والزكاة واستئناف الحساب بشهور الأهلة، وفي الخبر «إن أعظم الشهور عند الله المحرم» وعن ابن عباس أنه قال: فجر السنة هو المحرم فجعل جملة المحرم فجرا.
ورابعها: أنه عنى بالفجر العيون التي تنفجر منها المياه، وفيها حياة الخلق.
أما قوله: {وَلَيالٍ عشر} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
إنما جاءت منكرة من بين ما أقسم الله به لأنها ليال مخصوصة بفضائل لا تحصل في غيرها والتنكير دال على الفضيلة العظيمة.
المسألة الثانية:
ذكروا فيه وجوهاً أحدها: أنها عشر ذي الحجة لأنها أيام الاشتغال بهذا النسك في الجملة، وفي الخبر ما من أيام العمل الصالح فيه أفضل من أيام العشر.
وثانيها: أنها عشر المحرم من أوله إلى آخره، وهو تنبيه على شرف تلك الأيام، وفيها يوم عاشوراء ولصومه من الفضل ما ورد به الأخبار.
وثالثها: أنها العشر الأواخر من شهر رمضان، أقسم الله تعالى بها لشرفها وفيها ليلة القدر، إذ في الخبر: «اطلبوها في العشر الأخير من رمضان» وكان عليه الصلاة والسلام، إذا دخل العشر الأخير من رمضان شد المئزر، وأيقظ أهله أي كف عن الجماع وأمر أهله بالتهجد.
وأما قوله: {والشفع والوتر} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
{الشفع والوتر}، هو الذي تسميه العرب الخسا والزكا والعامة الزوج والفرد، قال يونس: أهل العالية يقولون الوتر بالفتح في العدد والوتر بالكسر في الذحل وتميم تقول وتر بالكسر فيهما معاً، وتقول أوترته أوتره إيتاراً أي جعلته وتراً، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «من استجمر فليوتر» والكسر قراءة الحسن والأعمش وابن عباس، والفتح قراءة أهل المدينة وهي لغة حجازية.
المسألة الثانية:
اضطرب المفسرون في تفسير {الشفع والوتر}، وأكثروا فيه، ونحن نرى ما هو الأقرب أحدها: أن {الشفع} يوم النحر و{الوتر} يوم عرفة، وإنما أقسم الله بهما لشرفهما أما يوم عرفة فهو الذي عليه يدور أمر الحج كما في الحديث: «الحج عرفة» وأما يوم النحر فيقع فيه القربان وأكثر أمور الحج من الطواف المفروض، والحلق والرمي، ويروى «يوم النحر هو يوم الحج الأكبر» فلما اختص هذان اليومان بهذه الفضائل لا جرم أقسم الله بهم.
وثانيها: أن أيام التشريق أيام بقية أعمال الحج فهي أيام شريفة، قال الله تعالى: {واذكروا الله في أَيَّامٍ معدودات فَمَن تَعَجَّلَ في يوميْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] و{الشفع} هو يومان بعد يوم النحر، {الوتر} هو اليوم الثالث، ومن ذهب إلى هذا القول قال: حمل {الشفع والوتر} على هذا أولى من حملهما على العيد وعرفة من وجهين الأول: أن العيد وعرفة دخلا في العشر، فوجب أن يكون المراد بالشفع والوتر غيرهما.
الثاني: أن بعض أعمال الحج إنما يحصل في هذه الأيام، فحمل اللفظ على هذا يفيد القسم بجميع أيام أعمال المناسك.
وثالثها: الوتر آدم شفع بزوجته، وفي رواية أخرى الشفع آدم وحواء والوتر هو الله تعالى.
ورابعها: الوتر ما كان وتراً من الصلوات كالمغرب والشفع ما كان شفعاً منها، روى عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هي الصلوات منها شفع ومنها وتر» وإنما أقسم الله بها لأن الصلاة تالية للإيمان، ولا يخفى قدرها ومحلها من العبادات.
وخامسها: {الشفع} هو الخلق كله لقوله تعالى: {وَمِن كُلّ شيء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49] وقوله: {وخلقناكم أزواجا} [النبأ: 8] و{الوتر} هو الله تعالى، وقال بعض المتكلمين: لا يصح أن يقال الوتر هو الله لوجوه:
الأول: أنا بينا أن قوله: {والشفع والوتر} تقديره ورب الشفع والوتر، فيجب أن يراد بالوتر المربوب فبطل ما قالوه.
الثاني: أن الله تعالى لا يذكر مع غيره على هذا الوجه بل يعظم ذكره حتى يتميز من غيره، وروي أن عليه الصلاة والسلام سمع من يقول الله ورسوله فنهاه، وقال: «قل الله ثم رسوله» قالوا: وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إن الله وتر يحب الوتر» ليس بمقطوع به.
وسادسها: أن شيئاً من المخلوقات لا ينفك عن كونه شفعاً ووتراً فكأنه يقال: أقسم برب الفرد والزوج من خلق فدخل كل الخلق تحته، ونظيره قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} [الحاقة: 39-38].
وسابعها: الشفع درجات الجنة وهي ثمانية، والوتر دركات النار وهي سبعة.
وثامنها: الشفع صفات الخلق كالعلم والجهل والقدرة والعجز والإرادة والكراهية والحياة والموت، أما الوتر فهو صفة الحق وجود بلا عدم، حياة بلا موت، علم بلا جهل، قدرة بلا عجز، عز بلا ذل.
وتاسعها: المراد بالشفع والوتر، نفس العدد فكأنه أقسم بالحساب الذي لابد للخلق منه وهو بمنزلة الكتاب والبيان الذي من الله به على العباد إذ قال: {عَلَّمَ بالقلم عَلَّمَ الإنسان ما لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5-4]، وقال: {عَلَّمَهُ البيان} [الرحمن: 4].
وكذلك بالحساب، يعرف مواقيت العبادات والأيام والشهور، قال تعالى: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] وقال: {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب مَا خلق الله ذلك إِلاَّ بالحق} [يونس: 5].
وعاشرها: قال مقاتل الشفع هو الأيام والليالي والوتر هو اليوم الذي لا ليل بعده وهو يوم القيامة.
الحادي عشر: الشفع كل نبي له اسمان مثل محمد وأحمد والمسيح وعيسى ويونس وذي النون والوتر كل نبي له اسم واحد مثل آدم ونوح وإبراهيم.
الثاني عشر: الشفع آدم وحواء والوتر مريم.
الثالث عشر: الشفع العيون الإثنتا عشرة، التي فجرها الله تعالى لموسى عليه السلام والوتر الآيات التسع التي أوتى موسى في قوله: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا موسى تِسْعَ ءايات بَيّنَاتٍ} [الإسراء: 101].
الرابع عشر: الشفع أيام عاد والوتر ليإليهم لقوله تعالى: {سَبْعَ لَيَالٍ وثمانية أَيَّامٍ حُسُوماً} [الحاقة: 7].
الخامس عشر: الشفع البروج الإثنا عشر لقوله تعالى: {جَعَلَ فِي السماء بُرُوجاً} [الفرقان: 61] والوتر الكواكب السبعة.
السادس عشر: الشفع الشهر الذي يتم ثلاثين يوماً، والوتر الشهر الذي يتم تسعة وعشرين يوماً.
السابع عشر: الشفع الأعضاء والوتر القلب، قال تعالى: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4].
الثامن عشر: الشفع الشفتان والوتر اللسان قال تعالى: {وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد: 9].
التاسع عشر: الشفع السجدتان والوتر الركوع.
العشرون: الشفع أبواب الجنة لأنها ثمانية والوتر أبواب النار لأنها سبعة.
واعلم أن الذي يدل عليه الظاهر، أن الشفع والوتر أمران شريفان، أقسم الله تعالى بهما، وكل هذه الوجوه التي ذكرناها محتمل، والظاهر لا إشعار له بشيء من هذه الأشياء على التعيين، فإن ثبت في شيء منها خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع من أهل التأويل حكم بأنه هو المراد، وإن لم يثبت، فيجب أن يكون الكلام على طريقة الجواز لا على وجه القطع.
ولقائل أن يقول أيضًا: إني أحمل الكلام على الكل لأن الألف واللام في الشفع والوتر تفيد العموم.
أما قوله تعالى: {والليل إِذَا يسر} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
{إِذَا يسر} إذا يمضي كما قال: {والليل إِذَا أَدْبَرَ} [المدثر: 33] وقوله: {والليل إِذَا عَسْعَسَ} [التكوير: 17] وسراها ومضيها وانقضاؤها أو يقال: سراها هو السير فيها، وقال قتادة: {إِذَا يسر} أي إذا جاء وأقبل.
المسألة الثانية:
أكثر المفسرين على أنه ليس المراد منه ليلة مخصوصة بل العموم بدليل قوله: {والليل إِذَا أَدْبَرَ} {والليل إِذَا عَسْعَسَ} ولأن نعمة الله بتعاقب الليل والنهار واختلاف مقاديرهما على الخلق عظيمة، فصح أن يقسم به لأن فيه تنبيهاً على أن تعاقبهما بتدبيره مدبر حكيم عالم بجميع المعلومات، وقال مقاتل: هي ليلة المزدلفة فقوله: {إِذَا يسر} أي إذا يسار فيه كما يقال: ليل نائم لوقوع النوم فيه، وليل ساهر لوقوع السهر فيه، وهي ليلة يقع السري في أولها عند الدفع من عرفات إلى المزدلفة، وفي آخرها كما روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقدم ضعفة أهله في هذه الليل، وإنما يجوز ذلك عند الشافعي رحمه الله بعد نصف الليل.
المسألة الثالثة:
قال الزجاج: قرئ {إِذَا يسر} بإثبات الياء، ثم قال: وحذفها أحب إلى لأنها فاصلة والفواصل تحذف منها الياءات، ويدل عليها الكسرات، قال الفراء: والعرب قد تحذف الياء وتكتفي بكسرة ما قبلها، وأنشد:
كفاك كف ما يبقى درهما ** جوداً وأخرى تعط بالسيف الدما

فإذا جاز هذا في غير الفاضلة فهو في الفاصلة أولى.
فإن قيل: لم كان الاختيار أن تحذف الياء إذا كان في فاصلة أو قافية، والحرف من نفس الكلمة، فوجب أن يثبت كما أثبت سائر الحروف ولم يحذف؟ أجاب أبو علي فقال: القول في ذلك أن الفواصل والقوافي موضع وقف والوقف موضع تغيير فلما كان الوقف تغير فيه الحروف الصحيحة بالتضعيف والإسكان وروم الحركة فيها غيرت هذه الحروف المشابهة للزيادة بالحذف، وأما من أثبت الياء في {يسري} في الوصل والوقف فإنه يقول: الفعل لا يحذف منه في الوقف كما يحذف في الأسماء نحو قاض وغاز، تقول: هو يقضي وأنا أقضي فتثبت الياء ولا تحذف.
وقوله تعالى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لّذي حجر} فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
الحجر العقل سمي به لأنه يمنع عن الوقوع فيما لا ينبغي كما سمي عقلاً ونهية لأنه يعقل ويمنع وحصاة من الإحصاء وهو الضبط، قال الفراء: والعرب تقول إنه لذو حجر إذا كان قاهراً لنفسه ضابطاً لها كأنه أخذ من قولهم حجرت على الرجل، وعلى هذا سمي العقل حجراً لأنه يمنع من القبيح من الحجر وهو المنع من الشيء بالتضييق فيه.
المسألة الثانية:
قوله: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ}
استفهام والمراد منه التأكيد كمن ذكر حجة باهرة، ثم قال: هل فيما ذكرته حجة؟ والمعنى أن من كان ذا لب علم أن ما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على التوحيد والربوبية، فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه.
قال القاضي: وهذه الآية تدل على ما قلنا: أن القسم واقع برب هذه الأمور لأن هذه الآية دالة على أن هذا مبالغة في القسم.
ومعلوم أن المبالغة في القسم لا تحصل إلا في القسم بالله، ولأن النهي قد ورد بأن يحلف العاقل بهذه الأمور. اهـ.